الكاتب ؛ محمد مهيم
ينتابني في الحقيقة شعور مزدوج، لكن يغلبه الفرح، لأن أبين اليوم خارج دائرة اللعبة السياسية وتقاسم الوزارات والمناصب ، وخارج هذا العبث الممنهج والفساد المالي والإداري الذي لا مثيل له، في وقت يعاني فيه الشعب من أسوأ الأزمات المعيشية والاقتصادية في تاريخه.
لا أُنزّه قيادات أبين وكل شخص له ماعليه من سلبيات وإيجابيات ، ولكن نقولها بثقة ومن خلال من عشناه واظهرته الأيام والمواقف.
نعم، أبين ليست جزءًا من تلك الطاولة الملطخة بالصفقات والمصالح، ولا من سوق الارتزاق الذي يبيع المواقف على حساب كرامة الناس وجراحهم.
فبرغم الإقصاء، ربما يكون هذا الخروج نعمة تُبعدها عن وحل السقوط الأخلاقي والانهيار الوطني الذي صنعه المتلونون.
في واقع عبثي مؤلم لا يخلو من الخيانة والتقلب، حين جرى طرد أبين من المشهد السياسي ذات يوم كما يُطرد الغريب من وطنه، بلا ذنب سوى أن رجالها رفضوا الخنوع، ورفضوا أن يكونوا جزءًا من مسرحية الخداع التي تُدار من خلف الكواليس ، وتمسكوا باليمن الكبير الذي هو لكل وبكل أبنائه..
لقد شيطنوا أبين، وصنعوا منها شماعة لأخطائهم، وخوّنوا قادتها بحجج واهية، وبإيعاز إقليمي بارد لا يرى في الوطن سوى رقعة شطرنج تتحرك فيها الولاءات بمقابل.
ذات يوم، قالوا إن الانفصال وطرد حكومة بن دغر والرئيس هادي سيعيدان للجنوب قراره، وزعموا أن هذا الرئيس وأبين يريدان إعادة الجنوب إلى "باب اليمن"، لكن ما نراه اليوم هو فاجعة سياسية وأخلاقية تعاكس تمامًا ما كانوا يتحدثون به.
لقد جاؤوا هم أنفسهم بـ"باب اليمن" إلى قلب قصر معاشيق في عدن، وها هم اليوم يحرسونه بأنفسهم، ويتكئون أمامه صاغرين، يتسابقون لنيل رضا أولياء الأمر الجدد مقابل حفنة من المناصب، وقطعة من كعكة دولة تنهار كل يوم على رؤوس البسطاء.
لقد سقط القناع، وانكشفت اللعبة، وبات واضحًا أن "باب اليمن" لم يكن خصمهم الحقيقي، بل وسيلتهم للوصول إلى السلطة ولو على حساب الكرامة والتاريخ.
لقد ضحكوا على الشعب بشعارات رنانة، وخدعوا المساكين بعناوين الوحدة والكرامة والجنوب الحر، ثم استخدموا تلك الشعارات لطعن أبين ورجالها، وجعلوا منها كبش فداء لأزماتهم وفشلهم، بل واتهموها زورًا بأنها سبب انهيار الاقتصاد وتهاوي العملة، بينما الحقيقة أنهم هم من اختطفوا القرار وباعوا البلاد في المزاد العلني مقابل حقائب وزارية وعدد من المناصب.
فماذا بعد؟
طردوا عبدربه منصور هادي، وأقصوا أحمد الميسري، وشوّهوا صورة أحمد العيسي، وشنّوا حربًا إعلامية ضد قادة أبين العسكريين، متهمين إياهم بالإرهاب، بينما الإرهابي الحقيقي هو من يبيع الوطن وكرامته لمن يدفع أكثر.
لكن أبين، برغم كل ذلك، بقيت كبيرة، كبيرة بتاريخها، برجالها، بقادتها الذين لم ينحنوا، وبناسها البسطاء الذين لم يساوموا على شرفهم.
كما أن أبين لم تكن يومًا بضاعة على رف المساومات، ولم تكن ولن تكون قطعة في سوق الارتزاق، لأن أبناءها يحملون الكرامة في دمهم، ويعرفون جيدًا أن الركوع لا يكون إلا لله وحده.
اشبعوا بالمناصب، وارتووا من ماء الذل، فالتاريخ يسجل ، يسجل من باع، ومن صمد، ومن طعن، ومن دفع الثمن ، أما أنتم، يا من تتلونون مع كل عاصفة، فأنتم أكذب من عرفت المعمورة في تاريخها الحديث.
اضف تعليقك على المقال