يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الرهافة في زمن الخشونة: بين نعمة الحس ووجع القلب”

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين


في زمنٍ تتصارع فيه الأصوات، وتضيع فيه التفاصيل تحت وطأة السرعة والصخب، تقف “الرهافة” كصفة أقرب إلى الكمال الفني… لكنها تُعامل كأنها عيب خُلقي في سباق الحياة. فهل أصبحت الرقة في المشاعر مرادفًا للضعف؟ وهل الحساسية المفرطة مرض يجب علاجه، أم هدية نادرة منحتها الحياة لقلة من الناس؟

الرهافة… موهبة أم لعنة؟
الرهافة ليست مجرد حساسية زائدة، بل هي قدرة خارقة على ملاحظة ما لا يُرى، وفهم ما لا يُقال، والتعاطف مع ما لا يُحكى. صاحب الرهافة يشعر بالذبذبات العاطفية في الغرفة كما لو كانت صدى موسيقي لا يسمعه سواه. لكنه في ذات الوقت، قد يُكسر من همسة، ويهتز من نظرة، وينهار من كلمةٍ عابرة.
إنه يبتسم حين يرى لون السماء بعد المطر، لكنه يبكي عندما يمر بجانب عجوز يحمل الخبز في كيسٍ شفاف.

الرهافة في مواجهة الخشونة العصرية
نحن في عصر “بلوك” المشاعر، في زمن الشاشات الباردة والردود الجاهزة، حيث أصبح شعار الحياة: “طنّش تعيش، إنسى تفوز”. فكيف يعيش الرقيق في عالمٍ يتغذى على القسوة؟ هل يجب عليه أن يتحول إلى شخصٍ آخر، أقل إحساسًا، أكثر “برودًا”، كي لا يُؤذى؟
الحقيقة المؤلمة أن الرهافة تُعامل أحيانًا كضعف اجتماعي، كأنك غير مؤهل للحياة، فقط لأنك لا تجيد رفع حاجبك بلا اهتمام، أو لأن قلبك لا يعرف كيف يتجمد.

لكن… هل الرهافة حقًا ضعف؟
الجواب: لا. الرهافة هي القوة الناعمة التي تُنتج الفن، وتُلهم الكلمة، وتربط الناس ببعضهم من حيث لا يدرون. هي التي تجعل من الشاعر شاعرًا، ومن الأم الحنون أمًا، ومن الطبيب طبيبًا “بضمير”.
الرهافة هي التي تقودك للوقوف مع طفل يبكي في الشارع، أو للتأثر برسالة شكر بسيطة، أو لمساندة صديق دون أن يطلب.

الرهافة… هل تُربي ولا تتعلم؟
جزء كبير من الرهافة يولد مع الإنسان، لكن المجتمع إما أن يحتضنها وينمّيها، أو يكبتها ويشوّهها. الأطفال الرُهفاء مثل الزهور، يحتاجون لمجتمع يفهمهم لا يسخر منهم، يُصغي لهم لا يُلقّنهم، يحتويهم لا “يصلّب عودهم”.

الرهافة في التربية… أصعب مما تتخيل
الراهيف مش بس بيتأثر بسهولة… هو كمان بيُربي بصعوبة. لأنه في تربية أولاده، بيراعي مشاعرهم أكتر من اللازم، بيخاف يزعّل، وبيفكر ألف مرة قبل العقاب.
الراهيف بيشيل هم الكلمة قبل ما يقولها، والنتيجة؟ بيتعب أكتر، بس بيطلّع جيل أكثر إنسانية.

الختام: لا تخلع جلدك… بس فلتره 
في هذا الزمن، لا تطفئ شمعتك لتنجو من الظلام. بل تعلّم كيف تحميها من الرياح، دون أن تطفئها بنفسك. الرهافة مش ضعف، لكنها تحتاج توازن… قلب حي، وعقل صاحية، وفلتر داخلي يعرف إمتى نحس، وإمتى نطنش!

اضف تعليقك على المقال