يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الأسرة في الدراما اليمنية

عماد الدين الغزالي

الكاتب : عماد الدين الغزالي 

في موسم الدراما اليمنية الراهن، تتجلى أعمال فنية تعكس واقعًا مؤلمًا يواجه الأسرة اليمنية، وتسلط الضوء على التحديات الاجتماعية والتربوية التي تتخبط فيها. هذه الأعمال تفتح نقاشًا حول قضايا مصيرية تؤثر بشكل عميق على النسيج الاجتماعي، أبرزها غياب المسؤولية الزوجية وأسلوب التربية المتبع، فضلاً عن أسباب الشرود التي يعاني منها الجيل الجديد، والتي قد تكون نتاجًا لضغوط اجتماعية مفرطة.

من أبرز القضايا التي تطرقت إليها هذه الأعمال هو السلوك المجتمعي السائد في التعامل مع أخطاء الأبناء، حيث يغيب الوعي الكافي بأهمية التربية الأسرية السليمة، فبدلاً من الاعتراف بدور التربية في تشكيل سلوكيات الأبناء، يُصر المجتمع على تحميل الفتاة أو الشاب مسؤولية أخطائهم، ما يعمق الفجوة بين الأبناء وآبائهم. وفي لحظات كان من الأولى أن تُبذل فيها الحكمة والتفهم، تظهر "عضلات الأبوة" التي تخلق ضغطًا نفسيًا مدمّرًا، وتولد في نفوس الأبناء مشاعر الندم والتوتر، مما يؤدي إلى صراعات نفسية يصعب حلها.

وبينما تعكس هذه المسلسلات صراعًا داخليًا في العلاقات الأسرية، فإنها لا تغفل معاناة الفتيات في مواجهة ضغوط اجتماعية قاسية، ففي ظل موروثات ثقافية قديمة وقرارات خاطئة من الآباء، تجد الفتاة نفسها ضحية لتهميش قسري، رغم طهارتها وبراءتها. وفي هذا السياق، تتصاعد قضية زواج القاصرات، التي تُفرض بقوة الأعراف الاجتماعية، دون النظر إلى آثارها النفسية والاجتماعية المدمرة على الفتاة. 

إلى جانب ذلك، تبرز معاناة أخرى تمس نساء المغتربين، اللواتي يعيشن بعيدًا عن أزواجهن لفترات طويلة، فتغيب عنهن الرعاية المستمرة والدعم العاطفي. هذا الفراغ العاطفي يقودهن إلى توهانات تربوية ويجعلهن عرضة لتأثيرات خارجية سلبية، سواء من خلال الانحرافات الشخصية أو الوشايات الكاذبة التي تهدد سمعة الأسرة. كل هذا يعكس غيابًا تامًا للوعي التربوي السليم ويزيد من تعقيد الوضع الاجتماعي والنفسي.


الأسرة بحاجة إلى مراجعة كاملة للمفاهيم التي تقوم عليها علاقاتها، نحن بحاجة إلى العودة إلى القيم الأساسية التي تقوم على الحب والاحترام المتبادل، وإلى فهم أعمق لمعنى المسؤولية الزوجية والأسرية. فالعلاقة بين الزوجين ليست مجرد عقد قانوني، بل هي عقد روحي وأخلاقي ينبني على التضحية والاحترام المتبادل، ويستند إلى مسؤولية أمام الله والنفس والمجتمع. 

ما تقدمه هذه المسلسلات هو أكثر من مجرد تصوير لحياة بعض الأسر اليمنية؛ إنها دعوة للمجتمع كي يراجع مفاهيمه حول التربية والمسؤولية الأسرية، وضرورة الوعي الجماعي، بحيث لا تُحمل الأخطاء للمراهقين فقط، بل يُعترف بأهمية التربية في تكوين شخصياتهم وتوجيه مسارهم، والمسألة لا تتوقف عند حد المعاناة الشخصية؛ فالمجتمع الذي يغفل عن توفير بيئة تربوية سليمة لا بد أن يواجه تبعات ذلك في المستقبل.

اضف تعليقك على المقال