الكاتب : شعيب الأحمدي
اليمن بلد ثري بالقصص الاجتماعية والسياسية والإنسانية، ويزخر بالأحداث المفاجئة التي تتسم بالتقلب، قد تبدأ تلك الأحداث أحيانًا بالحزن وتنتهي بالسعادة، أو العكس، وهذه قصة الإنسان في كل زمان ومكان: لا فرح يدوم ولا حزن يبقى.
الثقافة هي سلاح الكاتب، ورصاصة المؤرخ التوثيق. يمكن للكاتب أن يكتب من اللاشيء شيئًا عظيمًا، ويحشد خلفة الآلاف من الناس، كما يمكنه تقزيم عظمة الأحداث إلى اللاشيء، من خلال تعلمه كيف يبحر في أعماق هذا الإنسان المتقلب والصابر، الهادئ والغاضب في أوقات متقاربة.
لهذا نُحن بحاجة إلى توثيق هذه الأحداث بالفنون الثلاثية: الرسم والموسيقى والكتابة. للرصد أهم الأحداث في تعز الحرة، المدينة التي كانت ولا تزال ملهمة لثورات، بالقلم الحر والقصيدة المقاومة، أعتى أنظمة الحكم الديكتاتورية والاستبداد، وتوجت بانتصارات الشعب المضطهد.
تعز هذه المدينة الكريمة بثقافتها، المتواضعة بجوهرها، المعجونة بكل شيء: الضوضائية الهادئة، الحزينة الفرحة. وتعيش النقيضين في كل حادثة.
نأمل اليوم بتوحيد العدسة الثقافية والسياسية على حد واحد لرصد جميع الانتهاكات الحاصلة في الداخل التعزي والخارج اليمني برمته.
نعيش اليوم وقعًا صعبًا، ونحن بين شهيد لأجل الحرية والعزة والكرامة، وشاهد يرى كل هذه التقلبات بلا حول ولا قوة، ناهيكم عن الأجيال القادمة التي ستجد كل شيء رأسًا على عقب.
أرى أن على كاتب يحاول تصوير الجماليات الطبيعية والمناظر الخلابة، الذي أحرقتها شرارة الحرب الملتهبة، إلى جانب المظاهر السياسية القذرة، وأدوات الحكم القبيحة التي تنخر في أعماق اليمنيين كسرطان مدمر، منذ بداية وجود الرسي.
بينما نحنُ نرى أن القتلة واللصوص يتمتعون أمامنا بأموالنا ونحن لا نستطيع توفير الأساسيات، برأيي أكبر ما فقدناه في اليمن هو الحضارة اللغوية الحقيقية، والكلمة الصادقة التي تقاوم الفساد، وتكشف الظلم وتفضح اللصوص، بأحرف تمتزج بروح الحرية والتعبيرية.
ومن ضمن المشكلات، تبرز أزمة الكاتب اليمني اليوم في افتقاره إلى الجوهر المادي، حيثُ أصبح مجرد آلة للاستخدام، لا يلتفت لأي قصة إنسانية أو أجماعية إذ لم يكون لديه فائدة مادية أو معنوية، حيثُ جعله يكتب بانتماء ذاتي للأشخاص والأحزاب والسلطة وليس إنساني يستشعر مظلومية الأخرين، فترك بذلك الكثير من القيم الأخلاقية، تضيع في دهاليز الأماكن.
نحنُ بحاجة إلى عدسة كاتب ومثقف نزيهه يوثق هذه اللحظات الفارقة في تاريخ اليمن المعاصر، لتحفظ الذاكرة الجمعية من الضياع، وتنقل الحقيقة للأجيال القادمة بمصداقية وضمير إنساني حي وأخلاقية مهنية.
اضف تعليقك على المقال