يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

تحرير اليمن: فرصة تاريخية لإنهاء النفوذ الحوثإيراني واستعادة الاستقرار الإقليمي

محمد مرشد العرشاني

 

الكاتب ؛ محمد مرشد العرشاني

منذ تحرير سوريا من قبضة نظام الأسد وخروج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، يبدو أن العالم يشهد بداية تحول استراتيجي في الشرق الأوسط.
إزالة نظام الأسد، الذي ظل متجذرًا لأكثر من خمسين عامًا، شكّلت ضربة قوية للنظام الإيراني وأبرز أذرعه في المنطقة. ومع هذه التحولات، تتسارع الجهود الإقليمية والدولية لإعادة العواصم العربية إلى محيطها العربي وقطع أذرع إيران التي استغلت النزاعات لتحقيق أجنداتها التوسعية.

اليوم، وبعد تقهقر النفوذ الإيراني في سوريا، يبقى اليمن الساحة الرئيسية لاستكمال هذا الجهد. لقد تغيرت موازين القوى بشكل واضح، حيث بات الحوثيون، الذين تمتعوا بتفوق عسكري وسياسي في السابق، يظهرون إشارات ضعف وارتباك. التصريحات الأخيرة للحوثيين تعكس قلقًا عميقًا، ومحاولاتهم لإبداء ليونة تجاه الوسطاء الإقليميين تشير إلى إدراكهم بأن الزمن لم يعد في صالحهم.

ميزان القوى الجديد

الوضع العسكري في اليمن لم يعد معقدًا كما كان في السابق؛ فالقوات الشرعية باتت تمتلك فرصة حقيقية لاستعادة السيطرة. إذا توحدت هذه القوات تحت غرفة عمليات موحدة وبدأت تحركًا استراتيجيًا مدروسًا، لن تصمد قوات الحوثيين سوى أيام معدودة. إدراك الحوثيين لهذه الحقيقة دفعهم إلى السعي نحو صفقات سلام عاجلة، محاولين إعادة تقديم أنفسهم كجزء من النسيج العربي.

خطر التماهي مع الحوثيين: قراءة معمقة

يحاول الحوثيون الترويج لفكرة أن تحالفهم مع إيران كان ضرورة سياسية ومؤقتة لتأمين الدعم العسكري والمالي، بهدف بسط سيطرتهم على اليمن. يقدمون تصورًا مضللًا للمحيط الإقليمي بأنهم على استعداد للانسحاب من الحلف الإيراني والعودة إلى الهوية العربية، مقابل ضمانات مالية وسياسية سخية.

إلا أن هذا الطرح يتناقض مع حقيقة تاريخ الحركة الحوثية وجذورها الممتدة لأكثر من ألف عام. فهي ليست وليدة ظروف سياسية حديثة، بل امتداد طبيعي للفكر الإمامي السلالي الذي بدأ مع دخول الإمام الهادي إلى اليمن عام 893م. يقوم هذا الفكر على أيديولوجية الاصطفاء الإلهي، وحصر القيادة في ذرية الحسن والحسين (البطنين).

الجذور التاريخية والفكرية: الحوثيون امتداد للإمامة السلالية

الحركة الحوثية هي امتداد لمشروع إمامي تاريخي سعى لتثبيت حكم سلالي يقوم على القمع وفرض "حقهم الإلهي" في القيادة.
الزيدية الهادوية تتيح الخروج على الحاكم "الظالم" لكن بشروط حصرية، أبرزها أن يكون الإمام من نسل الحسن والحسين. هذا الفكر الإقصائي لم يقتصر على اليمن؛ بل سعى حكامه السابقون للتمدد نحو الجزيرة العربية.

تلاقي الفكر الحوثي مع المشروع الإيراني

رغم الجذور المحلية للحركة الحوثية، التقت طموحاتهم مع أهداف إيران الحديثة لتصدير الثورة الخمينية. منذ التسعينيات، تبنّت إيران الحوثيين ودعمتهم عسكريًا وماليًا، ما مكّنهم من التحول من جماعة معزولة إلى قوة عسكرية خطيرة.
تلاقحت الأفكار الهادوية مع الفكر الإثني عشري الإيراني، لينتج فكرًا هجينًا ومتطرفًا تتبناه الحركة الحوثية اليوم، يقوم على تعزيز التبعية لإيران وتصدير الهيمنة الطائفية.

المناعة الذاتية للمجتمع اليمني: رفض للفكر الحوثي

رغم محاولات الحوثيين فرض مشروعهم الطائفي، أثبت المجتمع اليمني رفضه المستمر لهذا الفكر. اليمنيون يتمتعون بمناعة تاريخية ضد الفكر الإمامي بنسخه المختلفة، ولم يتبنَّ مشروع الحوثي سوى قلة قليلة، إما نتيجة الجهل أو بدافع مصلحي مؤقت.

هذا التماسك الوطني يمثل العامل الحاسم في إفشال مشروع الحوثيين، حيث تظل محاولاتهم الهيمنية تتحطم أمام رفض الغالبية الساحقة.

التجارب السياسية: تاريخ من الخيانة

التجارب السياسية تكشف نمطًا مستمرًا من خيانة الحوثيين وتنصلهم من الالتزامات:

1. تحالفهم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح: انتهى باغتياله في ديسمبر 2017 بعد استغلال دعمه السياسي والعسكري.


2. إفشال اتفاقات السلام: أبرزها اتفاق ستوكهولم (2018) ومفاوضات الكويت (2016)، التي استغلوها لتعزيز سيطرتهم العسكرية.


3. استهداف الشركاء المحليين: مثل تصفية الشيخ سلطان الوروري ومجاهد قشيرة بعد انتهاء دورهم التكتيكي.

النتائج السياسية للتماهي مع الحوثيين

التعامل مع الحوثيين كشريك سياسي يُعتبر خطأً استراتيجيًا؛ فهو يمنحهم فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم وتهديد أمن المنطقة.

خارطة الطريق

لا يمكن تحقيق الاستقرار إلا من خلال:

1. تحرير كامل للأراضي اليمنية: لاستعادة الدولة اليمنية وإعادة الاستقرار الإقليمي.


2. كسر القوة العسكرية للحوثيين: عبر تفكيك بنيتهم المسلحة وإجبارهم على القبول بحل سياسي عادل بعيدًا عن الأيديولوجيا الإقصائية.

معالجة الأزمة بعمق: رسائل للحكومة الشرعية ودول التحالف

1. للحكومة الشرعية:

توحيد الصف الوطني تحت قيادة موحدة.

معركة فكرية وثقافية لكشف الأيديولوجية الحوثية.

معالجة الأوضاع الاقتصادية والتنموية.

2. لدول التحالف بقيادة السعودية:

استمرار الدعم العسكري لكسر قوة الحوثيين.

مواجهة التهديد الأيديولوجي الحوثي عبر برامج إعلامية وثقافية.

دعم مشاريع التنمية والإعمار في المناطق المحررة.

الختام

القضية اليمنية ليست مجرد أزمة محلية، بل صراع استراتيجي يهدد أمن الجزيرة العربية. التعامل الجاد معها عبر الحسم العسكري والفكري والسياسي هو الحل الوحيد لاستعادة اليمن ووضع حد للمشاريع الطائفية التوسعية.

الحل يكمن في القضاء على القدرات العسكرية للحوثيين، وتفكيك أيديولوجيتهم القمعية، وبناء يمن جديد قائم على العدالة والمواطنة المتساوية، كركيزة أساسية للأمن العربي والإقليمي.

اضف تعليقك على المقال